ماذا يريد منا الشيطان ؟!
قال عبد الله بن آدم : حاورت الشيطان الرجيم ، في الليل البهيم ، فلما سمعت أذان الفجر ، أردت الذهاب إلى المسجد ، فقال لي : عليك ليل طويل فارقد .قلت : أخاف أن تفوتني الفريضة .قال : الأوقات طويلة عريضة .قلت أخشى ذهاب صلاة الجماعة .قال : لا تشدد على نفسَك في الطاعة .فما قمت حتى طلعت الشمس . فقال لي في همس : لا تأسف على ما فات ، فاليوم كله أوقات .
وجلست لآتي بالأذكار ، ففتح لي دفتر الأفكار .فقلت : أشغلتني عن الدعاء . قال : دعه إلى المساء .وعزمت على المتاب . فقال : تمتع بالشباب .قلت : أخشى الموت . قال : عمرك لا يفوت .وجئت لأحفظ المثاني ، قال : رَوّح نفسك بالأغاني .قلت : هي حرام . قال : لبعض العلماء كلام .قلت : أحاديث التحريم عندي في صحيفة . قال : كلها ضعيفة .
ومرت حسناء فغضضت البصر ، قال : ماذا في النظر ؟قلت : فيه خطر . قال : تفكر في الجمال ، فالتفكر حلال .وذهبت إلى البيت العتيق ، فوقف لي في الطريق ، فقال : ما سبب هذه السفرة ؟قلت : لآخذ عمرة .فقال : ركبت الأخطار ، بسبب هذا الاعتمار ، وأبواب الخير كثيرة ، والحسنات غزيرة .قلت : لابد من إصلاح الأحوال .قال : الجنة لا تدخل بالأعمال .فلما ذهبت لألقي نصيحة ، قال : لا تجر إلى نفسك فضيحة .قلت : هذا نفع للعباد . فقال : أخشى عليك من الشهرة وهي رأس الفساد .قلت : فما رأيك في بعض الأشخاص ؟ قال : أجيبك عن العام والخاص .قلت : فالمجلات الخليعـة ؟ قال : هي لنا شريعة .قلت : فالـدشـوش ؟ قال : نجعل الناس بها كالوحوش .قلت : فالمقاهــي ؟ قال : نرحب فيها بكل لاهي .قلت : ما هو ذكركم ؟ قال : الأغانـي .قلت : وعملكـم ؟ قال : الأمانـي .قلت : وما رأيكم في الأسـواق ؟ قال : علمنا بها خفّاق ، وفيها يجتمع الرفاق .
قلت : كيف تضل الناس ؟قال : بالشهوات والشبهات والملهيات والأمنيات والأغنيات .قلت : وكيف تضل الحكام ؟قال : بالتعطش للدماء ، وإهانة العلماء ، ورد نصح الحكماء ، وتصديق السفهاء .قلت : فكيف تضل النساء ؟قال : بالتبرج والسفور ، وترك المأمور ، وارتكاب المحظور .قلت : فكيف تضل العلماء ؟قال : بحب الظهور ، والعجب والغرور ، وحسد يملأ الصدور .
قلت : فيكف تضل العامّـة ؟قال : بالغيبة والنميمة ، والأحاديث السقيمة ، وما ليس له قيمة .قلت : فيكف تضل الشباب ؟قال : بالغزل والهيام ، والعشق والغرام ، والاستخفاف بالأحكام ، وفعل الحرام .قلت : فما رأيك في إسرائيل ؟قال : إياك والغيبة ، فإنها مصيبة ، وإسرائيل دولة حبيبة ، ومن القلب قريبة .
قلت : فما تقول في الصحف ؟قال : نضيع بها أوقات الخلف ، ونذهب بها أعمار أهل الترف ، ونأخذ بها الأموال مع الأسفقلت : فماذا يقتلك ؟قال : آية الكرسي ، منها تضيق نفسي ، ويطول حبسي ، وفي كل بلاء أمسي .قلت : فمن أحب الناس إليك ؟قال : المغنّون ، والشعراء الغاوون ، وأهل المعاصي والمجون ، وكل خبيث مفتون .قلت : فمن أبغض الناس إليك ؟قال : أهل المساجد ، وكل راكع وساجد ، وزاهد عابد ، وكل مجاهد .قلت : أعوذ بالله منك ، فاختفى وغاب ، كأنما ساخ في التراب ، وهذا جزاء الكذاب
أ / أمير محمد